( ومن هذه النقطة تحديدا جاءت كل مصائب الشعب المصرى، صغيرها وكبيرها، من سياسة النظام فى بيع مصر ، بالمعنى الحرفى لكلمة بيع، إلى ضياع رغيف الخبز من يد المواطن لشل كافة فعالياته وتفكيرة وقدرته على التأثير أو التغيير ) .
ـ ومن أهم واجبات حكومة الإنقاذ المؤقته إلغاء سيطرة الحزب الواحد على الحياة السياسية فى مصر، وإغلاق المنافذ أمام تكرارها مرة أخرى . بل وإعادة النظر فى جدوى الأحزاب نفسها على ضوء التجربة المصرية خلال أكثر من قرن عامر بالنتائج السلبية التى كان آخرها الموقف المخزى لتلك الأحزاب من إنتفاضة الشعب المصرى فى إبريل 2008، بما يؤكد كون تلك الأحزاب مجرد ماكينات لإنتاج الضوضاء، وديكور يستر طبيعة الإستبداد فى النظام ، ومجرد طامع فى دور شراكة معه فى عمليات القمع والإستغلال والفساد .
ـ على الجانب الآخر يصبح من حق أى مواطن أن يمارس دوره السياسى من خلال "وحدات القرار الأساسى" وما ينبثق عنها من مجالس شعبية، وصولا إلى البرلمان الوطنى، أعلى صورة للسيادة الشعبية فى مصر.
ويمكن للمواطن المصرى أن يعمل بكل حرية فى المجالات التى تناسب قدراته سواء فى القضاء أو السلطة التنفيذية، أو العمل الإقتصادى أو الإعلامى، كل ذلك فى إطار القيم الإجتماعية الراسخة ، وبما يحقق دور مصر كقوة رائدة وليس تابعا ذليلا لأى قوة إقليمية أو دولية.
ـالحكومة المؤقتة تدرس جميع الإتفاقات السياسية مع الدول الخارجية ، السرى أو العلنى من تلك الإتفاقيات ، ثم ترفعها مع التوصيات الضرورية إلى البرلمان المركزى لإتخاذ القرارات الملائمة لتحقيق المصالح والسيادة الوطنية.
فى الإقتصاد:
ـ تراجع حكومة الإنقاذ جميع السياسيات الإقتصادية والإتفاقات الإقتصادية الخارجية، ولها صلاحية إستبدال السياسات الضارة .
ـ وبالنسبة للإتفاقات الإقتصادية مع الخارج والتى ترى أنها غير مناسبة ولا تحقق المصلحة الوطنية، فالحكومة تضع توصياتها حولها وترفع الأمر إلى البرلمان الوطنى من أجل إتخاذ القرار النهائى .
ـ لحكومة الإنقاذ التحقيق فى قضايا الإثراء غير المشروع وإساءة إستخدام السلطة، وتوقيع العقوبات على المخالفين ، وإسترداد المال العام المنهوب، وإلغاء صفقات "بيع مصر" سواء كان المشترى داخلى أو خارجى ، وإلغاء كافة المعاملات والمشاريع الإقتصادية التى قام بها إسرائيليون داخل مصر، كذلك المشاريع التى تؤدى إلى تلويث خطير للبيئة ، خاصة ما يلوث ماء النيل، وإعادة فحص المشاريع التى تؤدى إلى دمار بيئى جسيم ، وهى المشاريع الى أخرجتها الدول الصناعية الكبرى من بلادها وصدرتها إلى الدول المتخلفة ومنها مصر، خاصة الصناعات البتروكيماوية. وإجراء فحص دقيق لعمليات سرية محتملة لدفن النفايات النووية فى الأراضى أو المياة المصرية .
ـ أهم الواجبات هو وضع سياسة إقتصادية تخدم مصالح مصر وشعبها ، ولاتجعل الإقتصاد المصرى مجرد ملحق يخدم إقتصاديات خارجية أكبر وأكثر تطورا. أو تمكن قوى معادية من السيطر على الحياة فى مصر عن طريق السيطرة على إقتصادها. كما تحقق السياسية الإقتصادية الجديدة العدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة الوطنية وتنميتها بالجهد الجماعى والعمل المنتج والخلاق. وتمنع الإحتكار بكل قوة، كما تمنع سيطرة رأس المال الشخصى على السلطة السياسية أو التشريعية أو الإعلام أو المفاصل الحيوية أو الإستراتيجية فى الإقتصاد . كل ذلك لا يمنع من إطلاق المجال للعمل الإقتصادى الخاص ودعم دوره الحيوى ومبادراته المبدعة وما يتميز به من جرأة وسرعة فى القرار والحركة.
فى الثقافة والإعلام:
تتعرض مصر منذ أكثر من ثلاث عقود إلى عدوان ثقافى ممنهج يستهدف إقتلاع هويتها الثقافية والأخلاقية والدينية وفرض هوية ثقافية جديدة تتعايش مع السيطرة الأجنبية .
وكل مواطن فى مصر يشعر بذلك العدوان ويعيش أحداثة ويعانى من آثاره المدمرة على الحياة الإجتماعية والتماسك الأخلاقى والأسرى، بل والتأثير المدمر على الحياة السياسية والوضع الإقتصادى.
وسائل وأساليب ذلك الإجتياح الثقافى ومنافذه باتت الآن واضحة ومعلومة . والوضع القادم فى مصر لابد أن يضع فى مقدمة أولوياته ترسيخ الثقافة الوطنية والدفاع عنها، وتبنى مفهوم " الأمن الثقافى" فى الدفاع عن الهوية الوطنية وإغلاق محاور الهجوم على تلك الثقافة ، أوعلى الأقل لا يجعل للمعتدين قواعد إرتكاز على الأرض المصرية. وإغلاق وسائل الإرتزاق بالإعلام التخريبى المدعوم من جهات دولية معروفة ، تحمى عدوانها السياسى والإقتصادى على بلادنا بعدوان ثقافى يضمن الإستسلام الشعبى وتعاون الشعب مع المعتدين .
العمل الإيجابىفى هذا المجال هو إطلاق حرية العمل للمبادرات الشعبية والفردية فى العمل الثقافى والإعلامى ، الحر والمستقل ، حتى لو شابته أخطاء وإنحرافات .
لأن المناخ الحر يفتح المجال لعمليات التنقية الطبيعية وإختيار الأفضل واستبعاد الضار والفاسد، طالما تجنبنا التوجيه الحكومى الصارم، وتأثيرات التمويل الخارجى الذى يفسد الضمائر ويضر بالمناخ العام ، فى الثقافة والإعلام .
فى الأمن:
يعانى الشعب المصرى من تجاوزات الأجهزة الأمنية على حقوقة وحرياته وتغولها على باقى أجهزة الدولة والحياة المدنية ، حتى تحولت مصر إلى مثال سئ للدولة البوليسية البشعة التى تتصرف أجهزة الأمن فيها كقوات إحتلال وربما أسوأ.
حكومة الإنقاذ يجب أن تعيد الأجهزة الأمنية إلى دورها الطبيعى كحارس لأمن المجتمع، وليست حاكما له أو مالكا لموارده . وأن تعود تلك الأجهزة للعمل تحت مظلة القانون وليس فوقة وأكبر الخارجين عليه الممارسين للجرائم المنظمة بكافة أنواعها.
ـ يجب تشكيل محاكم خاصة للنظر فى جميع التجاوزات التى إرتكبت فى المراحل الماضية ، ومحاكمة المتهمين فيها أمام محاكم مدنية سريعة وناجزة وعلنية تغطيها وسائل الإعلام بكل حرية، ويحضرها الجمهور بلا قيود ، ومعاقبة من تثبت إدانتهم والقصاص منهم علنا ، وإعادة الحقوق إلى أصحابها أو تعويضهم بشكل فورى.
ـ ويدخل ضمن ذلك الإطار ، الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وعن الذين أمضوا محكومياتهم، وتعويض المتضررين وإلغاء نظر المحاكم العسكرية فى القضايا المدنية. وإلغاء كافة القوانين الإستثنائية وقوانين الطوارئ وما يدعى كذبا بمكافحة الإرهاب. وإلغاء كافة الإجراءات والقوانين التى تكبل حرية المواطن أو تتجسس عليه أوتضعه تحت المراقبة أوتجمع عنه المعلومات الشخصية بلا مبرر أو سند قانونى .
ـ الإكتفاء بقوانين العقوبات الجنائية لمواجهة حالات الإخلال بالأمن والإستغناء بها عن قوانين الطوارئ وأمثالها من القوانين سيئة السمعة التى ترعب المواطن وتكبل المجتع ، وتضع الدولة تحت وصاية أجهزة الأمن .
ـ المسألة الأهم هى وضع سياسة أمنية وطنية تخدم مصالح المواطن وتحميه ، و تكون غير مرتبطة أو تابعة لسياسات أمنية دولية أو إقليمية ، وطرد مراكز التجسس الإسرائيلية والأمريكية المقيمة على أرض مصر بشكل رسمى أو شبه رسمى .
ـ وأى إتفاق أمنى مع دولة خارجية لابد من أخذ موافقة البرلمان الوطنى عليه.
التجاوزات الدفاعية :
أى إتفاقات دفاعية مع الخارج ينبغى إعادة فحصها وعرضها على البرلمان الوطنى، وإلغاء ما يعرض الأمن القومى للخطر أو ينتقص من السيادة الوطنية.
ـ وعلى البرلمان الوطنى مناقشة السياسة الدفاعية الجديدة وتبنى نظرية للدفاع المتكامل عن المصالح الوطنية وليس مصالح القوى الخارجية مهما كانت .
ـ أى إقرار تشكيل (جيش وطنى إحترافى) جديد من حيث التدريب والتسليح والعقيدة القتالية .
ومناقشة تحويل الجيش إلى نمط الإحتراف وليس التجنيد الإجبارى. ومنح رواتب للمتطوعين توازى رواتبهم فى الحياة المدنية .
وجعل الجيش الجديد منفذا لتشغيل خريجى الجامعات والحاصلين على الشهادات العالية والمتوسطة والفنية.
واستقطاب ذلك الجيش للطاقات العلمية المتقدمة من أصحاب التخصصات النادرة والمخترعين والأطباء وحتى الخبراء فى اللغات والعلوم الإنسانية.
ذلك لتكوين جيش متطور على أعلى المستويات وإن كان أقل حجماً من الجيش الحالى .
ـ لإستكمال عمل الجيش تتشكل (قوة الدفاع الوطنى) ومهمتها إسناد الجيش الإحترافى فى عملياته داخل أرض الوطن، داخل نطاق المحافظات أو قطاعات الدفاع الداخلى التى يقرها الجيش، كأن يقسم الداخل المصرى إلى عدد من القطاعات الدفاعية، ولتكن سبعة أو ثمانية مثلا .
وقوة الدفاع الوطنى قائمة على نفس الأسس القائم عليها الجيش من حيث الإحتراف، وإعطاء الأولوية لخريجى الجامعات والتعليم المتوسط . وهؤلاء يعملون داخل المحافظات التى يعيشون فيها، أو داخل القطاع العسكرى الذى تقع فيه محافظاتهم .
و تؤدى قوة الدفاع الوطنى مهامها منفردة إذا كانت فى نطاق إمكاناتها بينما يتخصص الجيش الإحترافى بالدفاع عن الحدود أو العمل وراءها طبقا لمتطلبات السياسة الدفاعية الوطنية وموقف مصر الدفاعى .
ـ تكوين ( قوة الدفاع المحلى) المكونة من متطوعين من سكان الأحياء فى المدن والقرى ممن أدوا الخدمة العسكرية ـ ويتم تسليحهم وتدريبهم بشكل مناسب لمواجهة المواقف الأمنية الطارئة فى مناطقهم إلى أن يتاح لقوات الدفاع الوطنى معالجة الموقف إذا كان خارج سيطرة الدفاع الشعبى .
وبهذا تتمتع مصر بثلاث مستويات دفاعية متكاملة تضمن مشاركة شعبية على أوسع نطاق فى أمور الدفاع عن الوطن وحماية مرافقة الحساسة .
ولو أن مصر كانت تتمتع بمثل ذلك الدفاع المتدرج لتمكنت من إحباط عملية الإختراق الاسرائيلى فى الدفرسوار الذى أدى إلى حصار الجيش المصرى الثالث فى حرب 1973 وبالتالى فقدان مصر نتائج إنتصارها الكبير فى عبور القناة وتحطيم خط بارليف .
ـ يجب أن يكون كل من وزير الدفاع ، ووزير الداخلية من الشخصيات المدنية وليسا من لوءات الجيش أو الشرطة .
وأى ضابط لا يجوز له تولى منصب وزير قبل مرور خمس سنوات على تركه الخدمة ـ ولا يجوز له الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية قبل تركه الخدمة عشرة سنوات. والهدف من ذلك هو منع عسكرة المناصب المدنية أو تسلل سيطرة الأجهزة الأمنية والعسكرية إليها. ويكفى نصف قرن كانت فيه مصر مجرد مزرعة للجنرالات ( الباشاوات)، فوصلت إلى الحال الذى نشاهدة الآن. فتلك الأجهزة أنشئت لتكون فى خدمة الوطن وحمايته، وليس لإمتلاكه. إنشئت لتكون أجهزة حماية للوطن وليس إحتلاله وإذلاله.
سياسة الأمن القومى :
تحديد سياسة أمن قومى مسألة ذات أهمية قصوى ونقترح أن يقوم رئيس وزارة الإنقاذ بتشكيل هيئة عليا لوضع سياسة جديدة للأمن القومى ، تضم أهم العقليات المتخصصة فى هذا المجال، وهم معروفون بالإسم وعددهم فى مصر ليس كبيرا على أى حال .
هذه الهيئة بالإستعانة بأجهزة البحث المتخصصة تحدد ملامح سياسية للأمن القومى يعتمدها رئيس الوزراء ، ويختار له مستشاراً للأمن القومى كى يشرف معه على تنفيذ تلك السياسة فى مجالات النشاط الوطنى كلها ، الإقتصادى والسياسى والثقافى والإعلامى والأمنى والعسكرى .
تعرض ملامح تلك السياسة على ( البرلمان الوطنى) لأقرارها . كما يعرض عليه إسم المرشح لمستشار الأمن القومى للموافقة عليه .
جميع المراكز البحثية المتخصصة فى الدولة تضع نفسها فى خدمة المطلبات البحثية لمسألة الأمن القومى ورئيس الوزراء ومستشارة الأمنى .
الكنيسة المصرية:
للكنيسة دور كبير فى حياة المجتمع المصرى. وفى المرحلة القادمة تزداد أهميتها فى الحفاظ على الكيان السياسى والروحى والأخلاقى للمجتمع المصرى .
فالهوية المصرية مهددة فى الصميم بالزحف الثقافى المتحلل. وأيضا بالنشاط المدمر للتماسك الداخلى فى مصر سياسيا وأخلاقيا ودينيا. وبدون دور فعال للكنيسة يتضافر مع مجهود الأزهر فى ثوبه الجديد ، فقد تتعرض مصر لمخاطر فى صميم وجودها المتميز على مر التاريخ .
الكنيسة المصرية لها دورها الوطنى الذى يفخر به كل مسلم ، ومن مصلحة مصر كوطن ومجتمع تفعيل ذلك الدور التاريخى المتميز للكنيسة المصرية .
ولا يخفى أن الكنيسة الوطنية المصرية مستهدفة وبشدة من جانب أعداء مصر الإقليميين والدوليين. لذا فإن حمايتها ودعم دورها يعتبر واجبا حيويا لمسلمى مصر. وعلى حكومة الإنقاذ، ومن يليها فيما بعد، دعم وحماية الدور الكنسى الداعم لقوة واستقرار مصر.
للمواطن المصرى، طبقا لما سبق ذكره فى هذا البرنامج المقترح، الحقوق نفسها مهما تكن ديانته أوميوله السياسية. وله أن يؤدى نفس الأدوار والمهام تحت نفس القوانين التى تنظم مسيرة الأفراد والمجتمع .
تقـنين منصب رئيس الجمهورية
منصب رئيس الجمهورية ليس منصبا أبديا، كما أنه لا يورث للأولاد والأحفاد ، وكذلك لايمكن إهدائه للأصحاب، أو جعله مكافأة للتابعين المخلصين. كما أنه ليس حكرا على الضباط أو موظفى أى مؤسسة حكومية، أو فئة أو طبقة إجتماعية بعينها. فالمعيار الوحيد هو الإختيار الحر لأفراد الشعب وممثليه البرلمانيين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق