إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

بين حاكم وعالم .....!!!!

حوار بين حاكم وعالم


دخلَ الخليفة سليمان بن عبد الملك المدينة فأقام بها ثلاثًا، فقال: أليس هُنا رجلٌ ممن أدركَ أصحاب رسول الله  يُذكِّرنا؟ فقيل له: هاهنا رجلٌ يقالُ له: أبو حازم، فبعث إليه فجاء، فقال سليمان: يا أبا حازم، ما هذا الجفاء؟ فقال له أبو حازم: وأيُ جفاءٍ رأيتَ منِّي؟ فقال له: أتاني وجوهُ المدينة كلّهم ولم تأتني!
فقال: يا أمير المؤمنين، أُعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما عرفتني قَبْلُ ولا أنا رأيتُك ، قال الخليفة: صدَق الشيخ وأخطأتُ أنا.
ثم قال الخليفة: يا أبا حازم ما لَنا نكرهُ الموت؟ قال: لأنكم عمرتم دنياكم وخرَّبتم آخرتكم، فأنتم تكرهون أن تُنقلوا من العمران إلى الخراب، قال: صدقت.

يا أبا حازم، فكيف القدوم على الله تعالى غداً؟ قال: أما المُحسن فكالغائب يقدم على أهله فرحًا مسرورًا، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه خائفًا محزونًا.

فبكى سليمان، وقال: ليت شعريّ ما لنا عند الله يا أبا حازم؟ فقال أبو حازم: اعرِض نفسك على كتاب الله، فإنك تعلم ما لكَ عند الله.
قال: يا أبا حازم، وأين أعرف ذلك من كتاب الله، قال: عند قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}.
قال: يا أبا حازم، فأين رحمة الله، قال: قريب من المحسنين.
قال: يا أبا حازم من أعقل الناس؟ قال: مَن تعلَّم الحكمة وعلَّمها الناس.
قال: فمن أحمق الناس؟ قال: مَن حطَّ نفسه في هوى رجلٍ ظالمٍ فباع آخرته بدنيا غيره.
قال: فما أسمعُ الدعاء؟ قال: دعاء المخبتين.
 قال: فما أزكا الصدقة؟ قال: جهدُ المُقِلّ ليس فيها مَنُّ ولا أذى.
 قال: يا أبا حازم، فأيُّ عباد الله أفضل،؟ قال: أولو المروءة والتّقى.
 قال: فأي الأعمال أفضل؟ قال: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم.
قال: فأي القول أعدل، قال: قول الحق عند من يخافه أو يرجوه.
قال: يا أبا حازم ما تقول فيما نحن فيه، قال: أعفني من هذا، قال سليمان: نصيحة تلقيها.
قال أبو حازم: إن ناسًا أخذوا هذا الأمر عنوة مِن غير مشاورة المسلمين ولا إجماع من رأيهم فسفكوا فيها الدماء على طلب الدُنيا ثم ارتحلوا عنها فليت شعري ماذا قالوا لربهم  وماذا قيل لهم؟
فقال بعض جلسائهم: بئسَ ما قلتَ يا شيخ.
فقال أبو حازم: كذبْتَ، إن الله أخذ الميثاق على العلماء أن يُبيّنوا الحقّ للناس ولا يكتمونه.
فقال: يا أبا حازم كيف لنا أن نَصلُحَ للناس؟ قال: تدع الصَّلف، وتستمسك بالمروّة، وتقسم بالسويّة، قال سليمان: كيف المأخذ به؟ قال: أن تأخذ المال من حِلِّه وتَضَعه في أهله.
قال سليمان: يا أبا حازم، اصحبنا تُصيبُ منّا ونصيبُ منك، قال: أعوذ بالله من ذلك، قال: ولِمَ؟ قال: أخاف أن أركن إليكم شيئًا قليلاً فَيُذيقني الله ضعفَ الحياة وضعفَ المماتِ.
قال: فأشرْ عليَّ، قال: اتق الله أن يراك حيثُ نهاك أو يفقدك حيثُ أمرك.
قال: يا أبا حازم، ادعُ لنا بخير، فقال: اللهم إن كان سليمان وليَّك فيسره للخير وإن كان غير ذلك فخُذْ إلى الخير بناصيته.
قال: يا أبا حازم ارفع إليّ حوائجك، قال: تنجيني من النار وتدخلني الجنة، قال: ليس ذلك إليّ، قال: فلا حاجة لي غيرها.
فقال: يا غلام هات مائة دينار، فقال: إن كانت هذه حقاً لي في بيت المال فلي فيها نظر، فإن سويت بيني وبين المسلمين وإلا فلا حاجة لي فيها ، إني أخاف أن يكون ثمناً لما سمعتَ مِن كلامي.
ثم قال أبو حازم: إن بني إسرائيل لما كانوا على الصواب كانت الأمراء تحتاج إلى العلماء وكانت العلماء تفرُّ بدينها من الأمراء.
فلما رأى ذلك قوم من أراذل الناس تعلموا العلم وأتوا به الأمراء، استغنت الأمراء عن العلماء واجتمع القوم على المعصية فسقطُوا وهلكوا، ولو كان علماؤنا هؤلاء يصونون علمهم لكانت الأمراء تهابهم وتعظمهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق