إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

.6.عندما يصبح القديم جديدا عند المنعطف الحالى لمصير ثورة 25 يناير 2011

التعيسة ومجنباتها. ثم تصوير تلك المشاهد كلها بواسطة الجهاز الإعلامى للثورة البيضاء وتوزيعه بالمجان على وسائل إعلام داخلى وخارجى، شعبى ومعارض .

 إنها تكتيكات الإنهاك التى تجلب الإعياء واليأس حتى لأفضل القوات المدربة . كل ذلك الإنجاز بدون أعمال عنيفة تستحق الذكر، فيما عدا القدرة على العدو السريع وتحمل بعض الضربات من "شوم" المركزى، وإستشاق القليل من الغاز المحزن المبكى .

السلاح الأساسى للجمهور هو كثافة عددهم ومعرفتهم بخريطة مدينتهم وأسرارها الخافية على الخصم ثقيل الحركة والغشيم .

 ورأينا فى "حرب المحلة الكبرى/ أو الحرب الكبرى فى المحلة/ كيف أن "قوات التحالف" المكونة من جنود المركزى والبلطجية قد فشلوا فى السيطرة على المعركة التى جهزوا لها وامتلكوا فيها زمام المبادرة وباغتوا بها الجمهور الذى لم يتحسب لتلك الحرب بل فرضت عليه على حين غرة.

 ومع ذلك أضطرت "قوات التحالف" إلى الإستعانة بإمدادات من قوات المركزى فى محافظات الجوار. فشاركت معها "قوات حليفة" من أربع محافظات مجاورة.
وبعملية حسابية بسيطة يمكننا إستنتاج أنه فى حالة إزدهار إنتفاضة شعبية مسالمة فى خمسة مدن أو سته ، دفعة واحدة حتى ولو لم تكن العاصمة من بين تلك المدن، فإن قوات المركزى وحليفه البلطجى ، خلال يومين أو ثلاثة على أقصى تقدير، سوف تتبعثر فى ميادين وشوارع وحوارى المحروسة وتذوب فيها كما يذوب الملح فى الماء. وسيجلس الجنود على المقاهى يحتسون الشاى مع أفراد الشعب فى إنتظار البيان رقم واحد للنظام الشعبى الجديد .

00 نعود فنقول أن ذلك السيناريو لم يحدث فى إنتفاضة السادس من إبريل لأن النزول إلى الشوارع لم يكن مقررا ضمن البرنامج الشعبى. وأن موقعة المحلة الكبرى إفتعلها النظام ورتب لها عباقرة الأمن لديه ومعهم بالطبع/ ولكن فى الظل الظليل/الخبراء فى مراكز الإستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، المتواجدين بكثافة وعن قرب شديد فى مراكز صنع القرار الأساسية: فى شرم الشيخ، العاصمة السياسية لمصر، وفى القاهرة، العاصمة الإدارية لها.

مهمة تلك المراكز وخبرائها تتلخص فى الحفاظ على النظام الحاكم الذى يحمى مصالحهم ويهئ مصر للخطوة النهائية التى تسعى إليها أمريكا وإسرائيل، وهى تصفية مصر من كل عناصر قوتها وصولا إلى تقسيمها إلى عدة دويلات يطحنها الفقر والجوع والمرض والحروب الداخلية ،على خطى النماذج التى ينفذونها فى مناطق عربية عديدة، مثل العراق والسودان والصومال.

ومصر هى عقدة ذلك البرنامج وجوهرته الكبرى، كون ضياعها وتفتتها هو خير ضمان لإستقرار غيرمحدود المدى لسيطرة إسرائيل تماما على المنطقة العربية.

 لهذا فإنالإنتفاضة الحالية فى مصر ليست ثورة برتقالية من تلك التى أشعلتها أمريكا ضد أنظمة تريد إستبدالها فى مناطق تريد إقتحامها ومناطق نفوذ لمنافسين سابقين تريد وراثتهم ، كما حدث فى صربيا و جورجيا وأوكرانيا.

ولكن إنتفاضة مصر هى مسألة تمس الأمن القومى لإسرائيل وبالتالى فهى تهديد خطير لكيان الولايات المتحدة الأمريكية.

    إن التحرك السلمى الذى يريده شعب مصر هو ثورة بيضاء لإستبدال النظام الفاسد الذى يدمر مصر ويبيعها بالجملة والقطاعى، بنظام جديد يرعى مصالح مصر ويحميها من أعدائها .

 لذا فلا أمريكا ولا إسرائيل تريد فى مصر ثورة بيضاء ولا برتقالية، بل ستدفعان أصدقائهما فى مصر إلى إستخدام كل وسائل القمع المتاحة لمنع التغيير حتى لو إستدعى الأمر تحويل نهر النيل إلى نهر من الدماء على أيدى فرق الإغتيال والقتل الجماعى التى يدخرها النظام للساعات الحرجة .

    ومع هذا يظل الإلتزام الشعبى بالإنتفاضة السلمية هو الحل الأمثل لحرق أعصاب النظام ، إلى أن ينضج الفعل الشعبى ويتهيأ لدخول ناجح فى المرحلة النهائية والسيطرة على شوارع جميع المدن الكبرى وعلى رأسها العاصمة.

    فى المرحلة النهائية لابد أن يتخذ الشعب إجراءاته الدفاعية لوقاية نفسه وحماية مرافق الدولة والممتلكات الخاصة ، من العمليات الحكومية المدبرة لحرف المسار وإفتعال الفوضى بعمليات حرق وتخريب وإعتداء على الأرواح.

وهذا يستدعى إستخداما منخفضا للقوة الدفاعية . وهو مقدار لاغنى عنه لكبح شطط البلطجية والقتلة المأجورين وإعتقالهم إلى أن تتم محاكمتهم أمام محاكم القصاص التى لابد أن يشكلها النظام الجديد لمحاكمة كل المجرمين السفلة الذين أذلوا الشعب وأرهبوه وسرقوا لقمة عيشه ، محتمين بزيهم الرسمى أو محتمين بأصحاب السلطة والقرار .

 إذا تعذر ذلك لسبب ما، فيمكن مصادرة هويات المجرمين وتسجيل إعترافاتهم ونشرالصور والإعترافات على الجمهور عبر وسائل الإعلام المتاحة ، أو على شبكة الإنترنت .

 بالطبع لايجوز إتباع أساليب المحاكمات الميدانية فى الشوارع لأمثال هؤلاء القتلة. لأن ذلك سيفتح أبواب الفوضى التى إن إنطلقت فقد يصعب السيطرة عليها مرة أخرى وقد تؤدى إلى عواقب سيئة جدا.

 قيادة ثورة مصر البيضاء:
تتمتع تلك الإنتفاضة بقيادة فريدة من نوعها فى عالم الثورات بمختلف ألوانها. فهى نابعة من صميم المجتمع المصرى وظروفة الإستثنائية التى فرضها نظام القمع والفساد .
ولو أن للإنتفاضة قيادة واضحة المعالم، لتخلص النظام منها فى وقت وجيز بالقتل والسجن والخطف وتلفيق القضايا وتشويه السمعة .
کما لا يمكن لمثل تلك القيادة أن تعمل من الخارج أو أن تحصل على اللجؤ السياسى فى الغرب . ذلك أن النظام المصرى حاصل على تفويض من "المجتمع الدولى"، لتخريب مصر قبل تقسيمها إلى دويلات لصالح السيادة الإسرائيلية على العرب .. كل العرب.
 القيادة الحالية لإنتفاضة مصر أوقعت النظام فى ورطة ، كونها قيادة لا مركزية وهلامية غير محددة المعالم، فلا أفراد ولا هيئات ولا تنظيمات ولا أحزاب. لاشئ معروف أو مفهوم أو يمكن القضاء عليه، أليس ذلك وضع لاتحسد عليه أى حكومة إرهابية ؟؟؟.
وحتى يتمكن النظام من القضاء على تلك القيادة، فعليه أن يدمر كيانات كبيرة ومتشعبة فى البنيان الإجتماعى ، بل ومكونات من النظام السياسى القائم .

 فعلى سبيل المثال:
     ـ  قيادة الإنتفاضة ممتدة فى الجامعات، طلابها ومدرسيها.
     ـ  وهى ممتدة فى القطاع الصناعى ، بعماله ونقاباته الرسمية والشعبية.
     ـ  وممتده فى الإعلام الشعبى، بآشکاله المتنوعة، التى تعبر عن الشعب أكثر من أى إعلام رسمى أو حزبى
        أو معارض. 
     ـ  أيضأ مدعومة بالإدعاء الديموقراطى الكاذب ، الذى يتبجح به النظام داخليا وخارجيا.
     ـ   وكذلك بالوضع المعيشى المنهار للمواطنين وحالة السحق والإذلال التى يرزح الوطن تحت وطأتها.
     ـ    وتستند الإنتفاضة وقيادتها على المخزون التاريخى الحضارى والثقافى للشعب .
     إذن القيادة الهلامية غير المحددة للإنتفاضة البيضاء، تعتبر سببا جوهريا من أسباب حيرة وتخبط النظام، الأمر الذى إنعكس على أداء أجهزته الأمنية وقطعان القمع المركزى . ولاشك أنها فى الأصل تعكس إرتباك المستشارين الأمنيين الأجانب فى شرم الشيخ والقاهرة .

ولكن فى مرحلة الإنتفاضة الأخيرة لابد أن تبرز إلى العلن قياد مكتملة الأركان .
وقد يرافق ذلك بعض المحاذير مثل محاولة بعض الإحزاب القفز فوق سطح الأحداث وخطف الإنتصار لنفسها. ولكن عملية الفرز التى تحدث قبل الإنتصار لن تترك فرصة للإدعاءات الفارغة. وهذا الفرز قد بدأ بالفعل منذ تحرك السادس من إبريل . فبشكل واضح، ظهرت مواقف الأحزاب والجماعات ولكن ربما حدثت تغيرات طفيفة فيما بعد .

الجيش .. تقدم حقيقى :

لن يكون ذلك أكبر المشاكل ، بل أكبرها سيكون مع الجيش، إذا حاول النظام إستخدامة فى محاولة أخيرة لإنقاذ نفسه . وهنا لابد من وقفة لتوضيح بعض الأمور:
    إن تدخل الجيش إذا حدث، فسوف يأتى على شكل المنقذ الحامى للأمن ووحدة الوطن . وتوقيت التدخل يأتى عندما تفشل "قوى التحالف القمعى" المكونة من الأمن المركزى، والبلطجية والقتلة المأجورين . وتصل العمليات السرية إلى منتهى قدرتها ولا تتمكن من وقف الثورة أو التخلص من قيادتها ، بالقتل والإختطاف والإعتقالات الجماعية والتعذيب.

    وهنا نقول أن المطلوب من الجيش ليس إستعادة الأمن الداخلى بمعنى تثبيت أركان " نظام شرم الشيخ السياحى" المبنى على الفساد وبيع الوطن فى المزادات، وإذلال المواطن بأجهزة أمن مسعورة وطاغية، وحرمان المواطن من حقوقة الأساسية وقوت يومه، وإهدار كرامتة وآدميته أمام طوابير العيش .
بل أن المطلوب شعبيا من الجيش هو إستعادة دورة الوطنى وهويته المصرية.
فهو أولا وأخيرا جيش مصر وحاميها أرضا وشعبا وكرامة ، وليس كما جعله النظام المنحرف : مجرد فرقة إحتياط فى الجيش الأمريكى أو ظهيرا إستراتيجيا لجيش الدفاع الإسرائيلى . فهذا الأمر مرفوض من الجيش أولا ومن الشعب المصرى، الذى لم يرسل أبناءه إلى الجيش ويقتطع لهذا الجيش أمولا من قوته القليل، حتى يخدم مصالح دولا أجنبية معادية لمصر بطبيعتها وتكوينها وتاريخها.
   ومن البديهى أن الشعوب تبنى جيوشا لحماية نفسها، وليس لأن تحكمها تلك الجيوش . فالجيش حارس وليس حاكم . والفرق كبير بين الحالتين .

فى ظروف تاريخية معينة حكم الجيش مصر لأكثر من نصف قرن عبر ثلاث جمهوريات: ناصرية وساداتية ومباركية. والأخيرة توشك أن تتحول إلى ملكية أو "جمهورية وراثية"، ذلك الإختراع العربى التعيس فى دنيا السياسة .
الظروف التى أتت بالجيش إلى الحكم لم تعد قائمة . ولا نريد شرح الحالة التى وصلنا إليها تحت حكم العسكر، فهذا واضح فى أوضاعنا الحالية فى كافة المجالات. 
ولكننا نقول أن إنجازات الجمهورية الساداتية لم تجعل لمصر عداوات على حودها، خاصة إسرائيل التى يعتبر النظام المصرى السلام معها "خيارا استراتيجيا". فالجيش بالتالى لم يعد معنيا بحماية حدودنا معها، ويتكفل بذلك/ مشكورا / الأمن المركزى، الذى قمع وبنجاح شعبين فى وقت واحد، وهما الشعب المصرى جميعه (فى الوادى وسيناء) ومعه الشعب الفلسطينى فى غزه. وهو إنجاز يحسده عليه الجيش الأمريكى، أقوى جيوش الدنيا، الذى حاول العمل على جبهتين فأصيب بالفشل فيهما معا، ونعنى بهما العراق و أفغانستان.

    فأولى بالجيش أن يعيد رسم دوره فى الكيان الوطنى لمصر. وأن يعيد رسم عقيدته القتالية، و بناء قواته على أساس جديد كجيش قتالى حقيقى و متطور.
 مسلح بأحدث الأسلحة ومدرب على أعلى مستوى . وأن يستعيد كرامته وصلاحياته فى العمل على الحدود وحمايتها . وإعادة ذلك "الأمن المركزى" من الحدود إلى داخل الوطن وتحجيمة من قوة قمع وطغيان وعصا غليظة فى يد النظام يقهر بها الشعب ويذيقة بها الهوان والذل، إلى مجرد قوة لحفظ الأمن الداخلى لا أكثر.

    وبالتالى فإن الموقف المثالى للجيش فى أوضاع الإنتفاضة الشعبية المتصاعدة ضد النظام، هو أن يقف فى موقع الحياد تاركا النظام يلاقى مصيره المحتوم ، إلى أن تأخذ العدالة الشعبية مجراها فى المجرمين الطغاة واللصوص.

والجانب الإيجابى الذى يستحق الإشادة والتقدير هو أن يتصدى الضباط الوطنيون فى الجيش، وهم الأغلبية كما هى طبيعة الجيش المصرى، يتصدون لأى محاولة إنقلابية يدبرها النظام أو سادته المعروفين ، بهدف إعادة تغليف المحتوى الفاسد للنظام فى صورة جديدة تقطع الطريق على التغيير المطلوب شعبيا.
وبعدها يشارك الجيش، أو بالأحرى كبار الضباط الأكفاء الذين تبقوا فى الخدمة أو إستبعدهم النظام إسترضاء لخاطر الحلفاء الإستراتيجيون الجدد : أمريكا وإسرائيل، يشارك هؤلاء الأبطال الأكفاء مع حكومة النظام الشعبى الجديد فى رسم سياسة أمن قومى جديد ، يسترشد بها العمل الوطنى فى كافة مجالاته الحكومية والشعبية للنهوض بمصر من كبوتها الرهيبة التى تعانى منها حاليا.

   وفى الأخير نذكر كل وطنى مخلص مازال يعمل فى حكومة النظام وأجهزته بأنواعها، كى يقفز من سفينة النظام الغارقة لامحالة، وأن يسجل لنفسة موقفا وطنيا قبل فوات الأوان .
الآن فرصة أيضا لتذكير المعارضة ، من أحزاب وأشباه الأحزاب، بأن إسمها ما زال هو "معارضة" وليس مجرد ديكور خشبى فى مسرح للعرائس آيل للسقوط .
فإما أن تقفز عائدة إلى صفوف الشعب، إن إستطاعت، أو أن تظل فى موقعها المهين حتى ينهار عليها المسرح فتتحطم جميع العرائس التى فوقه .
 ذلك أن قواعد اللعبة فى مصر المحروسة قد تغيرت تماما.. وإلى غير رجعة.


بقلم  :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
المصدر  :
مافا السياسي (ادب المطاريد)

نشر في تاريخ 29 أبريل 2008
مدونة النديم :
مختار محمود "مواطن مصرى "

http://alNadeem.maktoobblog.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق